قصص

قصة بين الظلال

أنا ياسر رفاعي، عندي خمسة وعشرين سنة، دخلت الأوضة لقيت دم في كل حتة وامي ميتة .. حق كان لازم يتأخد من سنين، رغم ان ابويا ما يعرفش اي حاجة .. لكن دي اللحظة اللي لازم يعرف فيها.. وده عن طريق التسجيل اللي انا سيبتهوله عشان يعرف الحقيقة.
**
أنا الظابط ممدوح سلطان، واللي سمعتوه في الأول ده جزء من تسجيل لقيناه في شقة المجني عليهم، وده لما حد من الجيران اشتكى من ريحة نتنة جاية من البيت، والريحة دي كانت ريحة 3 جثت.. قضية مرعبة، ولغاية دلوقتي مش عارفين مين القاتل، لكننا عارفيين المجني عليهم، وكلنا كنا على أمل أن تسجيلات ياسر تفيدنا بحاجة، بس للاسف، التسجيلات كانت مرعبة أكتر من أي حاجة سمعتها في حياتي، لدرجة إن القضية دي لو ما كنتش حضرتها بنفسي، عمري ما كنت هصدقها لو حد حكهالي، ودلوقتي هنسمع باقي التسجيل.
وأنا عندي اربع سنين، ابويا كان مسافر، وفي ليلة ماكنش موجودة فيها كالعادة، شوفت أمي ومعاها راجل غريب في الشقة، عينه سودة، طويل وشعره اكرت، أمي كدبت عليا وقتها وقالت انه خالي اللي راجع من السفر، ولاني كنت طفل ومش فاهم حاجة، صدقت اللي قالته، ولقيتها بتطلب مني ماحكيش لأبويا أي حاجة، وفعلا، عدت الليلة اللي كانت كلها خلاف بين أمي و الراجل اللي قالت انه خالي ده، وانتهى الموضوع على إن الراجل ده مشي وامي دخلت اوضتها تعيط، قومت دخلت وراها وزي أي طفل شايف أمه بتعيط طبطبت عليها بحنيه، كمان وعدتها اني مش هجيب سيرة الراجل اللي بيزعقلها ده، وعدت الأيام والشهور والسنين وأنا ما حكتش أي حاجة عن اللي حصل، ومع ذلك، المشهد كان على بالي طول الوقت ، وفضلت على الوضع ده حتى لما كبرت وبدأت اوعى أكتر وأفهم، لكن الحقيقة مُره، ومرارها بيختفي لما تصلح الأمور، والبداية كانت في ليلة القمر فيها مكتمل، سمعت فيها صوت حد بيكلمني.. صوت بيرن في ودني لدرجة خلت جسمي يرتجف من الرعب، وفي لحظة ما جيت التفت حواليا عشان اعرف مصدر الصوت، سمعته مرة تانية بس بكلام متفسر وهو بيقول:
-ازاي سكت على السر ده كتير يا ياسر.. أمك كانت بتخون أبوك وأنت لسه شايف ان كل ده عادي؟
وقت ما الصوت ده اتكلم، لقيت ضوء القمر جه على الشماعة اللي جنب الدولاب، وفي اللحظة دي، شوفت مكانها كيان ماقدرش أقول عليه طويل أوي أو قصير أوي، لانه في الحقيقة كان في طول بني آدم عادي، لكن ملامحه كانت غامضة ومش واضحة، وكل اللي قادر اشوفه من وشه هي ابتسامة وعيونه الحزينة .. كمل الكيان اللي قصادي ده كلامه لما قال:
-أنا حاسس بيك، وعارف كويس أوي إنك عايز تعمل اللي انا وانت بنفكر فيه دلوقتي.
اترعبت من كلامه اللي انا مش قادر افهم هو وراه ايه، ونتيجة لكده، لساني اتعقد وحاولت أهرب، لكن جسمي اتشل وماكنتش قادر اتحرك، ومع ذلك، طمنت نفسي وقتها وقولت ان اللي بيحصل ده حلم واكيد هفوق منه، لكني اتأكدت انه حقيقة لما لقيت أمي خبطت على باب الأوضة ودخلت وهي شايلة صينية وعليها أكل، حطتها على السرير جنبي وهي بتقولي:
-أنا لقيتك نمت بدري من غير مانتغدا، فـ أول ما سمعت صوتك في الأوضة قولت يبقى لازم اجبلك أكل عشان تتعشا.
ما عرفش انا عملت كده ازاي؟.. بس فجأة لقيتني برمي صينية الأكل على الأرض وانا بصرخ فيها بصوت غريب:
-ما تحاوليش تمثلي أنك أمي.. أنتي عمرك ما كنتي كده، ويلا، اطلعي بره، وعلى فكرة.. انا مش هسكت تاني.. سمعاااني.
كان باين عليها الصدمة ولقيت الدموع بتنزل من عينيها، حسيت وقتها إن قلبي واجعني من اللي قولته، لكن في نفس اللحظة كنت مبسوط من جوايا وحاسس إنها تستحق كده، مشاعر مضطربة.. متلغبطة.. حاسس بشهوة انتصار مختلطة بالخجل، وفي وسط مانا مش مستوعب اللي بيحصل لسه، أمي كانت واقفة ولسه هتنطق وتقول حاجة، بس سكتت لما اتكلمت فجأة وقطعتها وانا بزعق فيها بنفس الصوت الغريب:
-اطلعي بره.
لما جت تطلع ودموعها على خدها، حسيت إني قاسي وماكنش لازم أعمل كده، لكن مع لحظة قفل الباب، لقيت الكيان او الشيء اللي عند الشماعة ده لسه موجود، واقف بيبصلي ومبتسم، الغريب إن لقيتني انا كمان ببصله وببتسم، لكن اللي حصل ده ماغطاش على جوعي، لإني كنت فعلا جعان، عشان كده قومت من مكاني وخدت بعضي على المطبخ، بس وأنا معدي قدام أوضتها، سمعت صوتها وهي بتعيط من جوة، أما أبويا فكان قاعد قصاد التلفزيون بيتفرج على ماتش للأهلي.. ماهتمتش بيها وكملت ناحية المطبخ، وأول ما دخلت لقيت نفس الصوت بيتكرر مره تانية، بس المرة دي كان أقوى من أي مرة، ومع ظهوره، شوفت نفس الكائن المرعب، كان ماسك في ايده حاجة بتلمع، ولما ركزت في عينيه لقيتها حمرا زي جمرة النار وشكلها مرعب، ومع ذلك، لقيت رجلي بتاخدني لكام خطوة قدام، لغاية ما بقى بيني وبينه خطوات بسيطة، والكائن ده مد ليا ايده بسكينة، المرعب اني خدتها منه في خضوع رهيب، ولما خدتها وطلعت بره، روحت ناحية الأوضة الكبيرة، والمرادي، صوت العياط كان اختفى، وده معناه حاجة واحدة، هي وإن الست اللي جوه دي نامت، قومت انتهزت الفرصة ودخلت وأنا بقرب من السرير، ومع كل خطوة كنت باخدها، كنت سامع صوت الكائن ده وهو بيهمس في ودني وبيشجعني عشان اقرب منها واخلص عليها، وبكده، أكون قتلت الماضي اللي سكت عنه سنين طويلة، وفعلا، وقفت قدام السرير وبصيت عليها لثواني قبل ما أرفع ايدي بالسكينة اللي كانت بتلمع، وفجأة وفي اللحظة دي، أبويا دخل الأوضة وولع النور، ولإن النور ضرب في عيني، كانت زغللت، ويدوبك خبيت السكينة ورا ضهري وأبويا بيسألني وبيقولي:
-بتعمل ايه هنا ياض يا ياسر؟
رديت عليه بـ إرتباك.
-بعمل ايه .. انا .. انا .. انا بعمل ايه؟.. مش عارف أنا كنت بتطمن على امي.
-أه فعلا، أنا خدت بالي وهي داخلة الأوضة وهي متضايقة، المهم شوف انت رايح فين، موبايلك كان بيرن في أوضتك.
سألت نفسي وقتها أنا بعمل ايه في الأوضة.. والسكينة.. السكينة اختفت من ايدي ازاي؟.. لكن مش وقته الكلام ده، انا لازم أخرج برة، وفعلا، خرجت على أوضتي وفتحت الموبايل عشان أشوف مين اللي كان بيرن عليا، ولما لقيته على صاحبي، كلمته وعرفت أنه كان بيتصل بيا عشان أقعد معاه على القهوة، وده بعد ما ماتش الأهلي خلص طبعا بفوز الأهلي بنتيجة عريضة، وعلي كان بيكلمني عشان نحتفل وكده، وقتها ماكدبتش خبر ونزلت عشان أحاول انسى اللي حصل من شوية، وأول مادخلت القهوة لقيته قاعد مع راجل كبير في السن وحاطط قدامه كوباية شاي من الواضح إنها موجودة من أول الماتش.. شديت كرسي وقعدت، بعدها الراجل الكبير رمى عليا السلام وقام فاتح الجرنان القديمة اللي في ايده، وكان في منشيط عريض قدامي بيعلن انتصارنا بحرب ۷۳ وعبور القناة في ٦ ساعات، وفي وسط مانا سرحان علي قالي:
-أنا مش مصدق، الواحد قال خلاص، الأهلي خرج من البطولة ومافيش أمل، يقوم في الأخر كسبان وبالنتيحة العريضة دي؟!.. شيء ممتع الحقيقة، بيفكرني بيخانة الواحد لمراته مع واحدة فورتيكة ياض يا ياسر.
قال آخر جملة وهو باصصلي، لكن أنا في الوقت ده تخيلت مشهد من عشرين سنة وأكتر، والمشهد ده مش مفارقني لحد اللحظة اللي أنا بكلمكوا فيها دي.. وعلى السيرة، شوفت الكائن مرة تانية، كان واقف في ركن من الأركان، وبالتحديد، وسط الظل الوحيد اللي موجود في القهوة، والظل ده، يبقى في ركن الحمام، وزي كل مرة، سمعت صوته وهو بيرن في ودني وبيقولي:
-نفس اللي حصل من عشرين سنة بيتكرر مرة ثانية، لكن المرة دى مع ست غربية، ست قليلة الأصل.. اخنقه.. اقتله.. ماتسكتش على نفس الغلط تاني.
وفعلا، زي ما قالي عملت، قومت وهجمت على علي وفضلت أخنق فيه، لدرجة اني كنت بعصر في رقبته زي المجنون، وكل ده اكتشفته بعد ما لقيت الناس كلها اتلمت علينا وشدوني وقعوني على الأرض، ولما وقعت، اتنين مسكوني عشان ماهربش، أما الباقي كان بيفوّق في علي اللي الحمد لله فاق وبقى كويس، الظاهر كده انه كان اغمى عليه أو فقد وعيه للحظات، لكنه جدع، لإنه أول ما فاق، قالهم يسيبوني وهي عينه بتدمع من اللي حصل، دموع بتتكلم إن اعز صحابه كان عايز يقتله، بس هو يستاهل، لإن الكيان قالي أعمل كده، والكيان ده عارف وفاهم كل حاجة، لكن مش ده المرعب.. المرعب إني سمعت صوت علي وهو بعيد وبيقرب وبيقولي:
-ياسر.. يا ياسر، يابني فوق، مالك كده ماتقلقنيش.
فوقت لقيت نفسي قاعد على الكرسي وقدامي علي وهو بيفوق فيا، الغريب إني كنت عرقان جامد، ولما علي سألني على حالي مرة تانية، رديت عليه وانا باخد في نفسي:
-أنا !!.. أه اه.. أنا كويس جدا، المهم انت كويس؟.
موبايلي رن في اللحظة دي، واللي كان بيرن وقتها هو أبويا، قومت فتحت عليه وقولتله:
– أيوة يا حاج.
-ايه يا ياسر، أنا جتلي شغلانة ونزلت، واحتمال كده اتأخر للصبح، وزي ما انت عارف، أمك قعدة لوحدها ولازملها اللي يكون معاها، وكلك نظر، سيب صاحبك وارجع البيت.
-ماشي ياحاج، روح انت مشوارك وانا هقوم اروحلها دلوقتي.
قفلت السكة معاه وخدت بعضي على البيت، دخلت الشقة اللي كانت مضلمة شوية، مافيش غير ضوء بسيط كان جي من نور المطبح، وفي اللحظة دي، كنت حاسس بصداع شديد، ده غير وداني اللي كانت بتزن، واللي غطى على الزن ده كله، هو صوت من جوة أوضة النوم اللي فيها أمي، صوت لراجل عمال يشتم شتايم بذيئة، وبمجرد ما سمعت صوته، الدم غلي في عروقي ودخلت المطبخ، شديت أكبر سكينة وطلعت ناحية الأوضة بخطوات بطيئة وملامح قاسية، لدرجة إن كل اللي حصل زمان مع عشيقها بيتكرر تاني، بس المرة دي وأنا واعي وفاهم كل حاجة، مش طفل صغير هيتضحك عليه بكلمتين من واحدة خاينة زي دي، وأقصد بخاينة هو المنظر اللي شوفته لما مديت ايدي على أوكرة الباب وفتحته، ولما دخلت، شوفتها كانت نايمة على السرير بلبس خفيف ومعاها واحد جنبها، راجل ملامحه مش واضحة بسبب الضلمة اللي في الأوضة، لكن ده ماهمنيش، لإني قربت منهم ببطء وبصيت عليها بصة أخيرة وانا مبتسم، بعدها رفعت السكينة ونزلت بيها في نص بطنها، ولما الراجل اللي كان معاها قام وحاول يقاومني، ضربت السكينة في جنبه وقتلته، وبعد ما اتأكدت انهم ماتوا، حطيتهم جنب بعض وغطيتهم بالملاية … ودلوقتي أنا بسجل كل اللي حصل لأبويا عشان يعرف ان مراته كانت دايما خاينة.. أما أنا طريقي دلوقتي خلاص.. خلص ولازم أقتل نفسي عقابا على سكوتي السنين دي كلها.
لحد هنا التسجيل خلص، لكن المرعب إن اللي اتقتل في الأوضة ماكنش عشيق الست دي زي ما قال ياسر، وللي كان في الأوضة معاها يومها يبقى جوزها اللي هو ابو ياسر، ومع البحث في السجلات اكتشفنا انه فعلا له خال وبنفس المواصفات اللي حكاها بالظبط… سالت نفسي وقتها.. هل دي كانت روح شريرة اللي بتظهر له، ولا ده كان مجرد مرض نفسي لعين؟.. وهو السبب في كل اللي حصل ؟!!.. ماكنش في اجابة للسؤال ده، لحد ما قدرنا نوصل في وسط التحريات إن ياسر كان له تاريخ مرضي طويل، بس من الواضح كده ان حالته اتدهورت بشكل كبير.. وبعد ما وصلنا للفاعل واتأكدنا بالدليل القاطع إن هو اللي ارتكب الجريمة، اتقفلت القضية لكنها هتفضل اغرب قضية مرت عليا وحققت فيها.
تمت بحمد الله.
#أندرو_شريف

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى